الحساسية و المناعة
یقصد بكلمة "مناعة" ، قدرة الجسم على الدفاع عن نفسھ ضد العوامل المسببة للأمراض مثل البكتیریا والفیروسات والفطریات والطفیلیات ، وذلك عن طریق قیام الجھاز المناعي للإنسان (یعرف بالحملة الشبكیة البطانیة) بإفراز أجسام وخلایا مناعیة مضادة لھذه المسببات المرضیة المذكورة. ومن الأجسام المناعیة الأنواع : "أ" "IgA "و "جـ" "IgG "و "م" "IgM ، "وھي تصنع بواسطة خلایا لیمفاویة معینة داخل خلایا الجھاز المناعي للجسم. وھناك أیضاً "الخلایا العدلیة" (النیتروفیل) التي لھا قدرة على إفراز مواد تقلل من حیویة المیكروبات ثم لا تلبث أن تلتھمھا ، وبذلك یتمكن الشخص الطبیعي من مقاومة المرض. أما إذا كان عدد المیكروبات كبیراً ، فقد یصاب المریض بأعراض التھابیة تستثیر جھازه المناعي الذي لا یلبث أن ینتج الأجسام المناعیة الخاصة ضد المیكروب ، وبالتالي یقضي على المرض ویشفى المریض لیكتسب غالباً مناعة طویلة المدى ضد ھذا المرض.
ونحن عندما نتحدث عن الحساسیة لا نقصد ذلك النوع من المناعة الطبیعیة. وكثیر من المرضى یعتقدون أن تعرضھم لأمراض الحساسیة ناتج عن أن مناعة أجسامھم ضعیفة فلا تستطیع مقاومة الأمراض. وھذا اعتقاد غیر صحیح ، فالجسم المناعي المسئول عن أمراض الحساسیة ، غالباً نسبة الجسم المناعي "IgE "منخفضة ، أما في كثیر من أمراض الحساسیة فترتفع النسبة ، خاصة في حالات حساسیة الأنف وإكزیما الجلد التأتبیة ، وفي بعض حالات الربو الشعبي والأرتكاریا . وبسبب وجود ھذا الجسم المناعي وخلایا كثیرة أخرى (سوف نذكرھا فیما بعد) ، تتولد أمراض الحساسیة.
إن بعض مكونات البیئة مثل حبوب اللقاح ، عتة تراب المنزل ، البیض.....إلخ ، تعتبر أشیاء طبیعیة بالنسبة للشخص العادي ، بینما یعتبرھا الجھاز المناعي في مریض الحساسیة أشیاء غریبة عنھ ، فلا یلبث أن ینتج أجساماً مناعیة مضادة ، أغلبھا من النوع "IgE ."ویتفاعل الجسم المناعي "IgE "مع الأنتیجینات الطبیعیة الموجودة في أنسجة مختلفة من جسم المریض ، وتنتج عن ھذا التفاعل ـ حسب نوع النسیج الذي تم فیھ التفاعل ـ أعراض الحساسیة مثل الأرتیكاریا ، إكزیما الجلد ، حساسیة الأنف ، ضیق الشعب الھوائیة.
یتضح مما سبق أن مریض الحساسیة لا یعاني خللاً یجھازه المناعي ، وإنما الذي یحدث ھو أن جھازه المناعي ینتج أجساماً مناعیة (غالباً IgE ( ضد أنتیجینات بیئیة طبیعیة مما یسبب حدوث الحساسیة.
وكما ذكرنا فھناك خلایا كثیرة تلعب دوراً مھماً في تفاعلات الحساسیة.
ویطلق اسم "أنتیجین" على أي مادة مولدة مضادة لھا. والأنتیجینات قد تكون في صورة میكروبات مرضیة تھاجم جسم الإنسان ، مثل البكتیریا أو الفیروسات أو الفطریات ، فتستثیر الجھاز المناعي لإنتاج الأجسام المناعیة "IgA" ,"IgM" , "IgG "أو قد تكون مكونات طبیعیة في البیئة مثل حبوب اللقاح والأتربة ، فتستثیر إفراز الجسم المناعي "IgE "ومواد كیمیائیة ، وتنشط خلایا أخرى مختلفة .
وبالطبع لا تحدث الحالة الأخیرة إلا في الشخص الذي لدیھ استعداد للإصابة بالحساسیة ـ أي الشخص الذي یسلك جھازه المناعي سلوكاً غیر طبیعي.
والواقع أن ما یحدث من زیادة الأجسام المناعیة من النوع "IgE "أو تنشیط الخلایا في أنسجة مریض الحساسیة ، ھو مسألة معقدة تلعب فیھا خلایا كثیرة دوراً مھما حیث تقوم بإفراز مواد كیمیاویة وإنزیمات وسایتوكاینز(مواد بروتینیة تفرزھا خلایا الدم البیضاء وخلایا أخرى ، وھي عدة أنواع بعضھا یعمل على تنشیط التفاعلات المناعیة والبعض الآخر لھ تأثیر مثبط لھذه التفاعلات) . من خذه الخلایا ، الخلیة البدینة (خلیة ماست) والتي تخرج منھا ومن جدرانھا بعد التفاعل مع الأنتیجینات المخلتفة ، مواد كیمیائیة عدیدة منھا الھستامین وبعض الإنزیمات واللوكوتراینز (مواد كیمیائیة تفزرھا جدران بعض الخلایا المناعیة مثل الخلیة البدینة وغیرھا ،وھي تلعب دوراً مھماً في التفاعلات المناعیة ، مثل دورھا في التفاعل التي تصاحب حساسیة الربو الشعبي وتسبب تقلص عضلات الرئتین وبالتالي ضیق الشعیبات الھوائیة) والسایتوكاینز...إلخ . وھناك أیضاً "الخلیة الحمضیة " (الإزینوفیل) التي یزداد عددھا وحیویتھا عندما تتم استثارتھا ، فلا تلبث أن تنتج بروتینات ضارة بالخلایا المحیطة بھا (مثل الخلایا المبطنة للجھاز التنفسي) وھو ما یحدث في حالات حساسیة الشعب الھوائیة نتیجة التعرض للأتربة الموجودة بصورة طبیعیة في البیئة مما یسبب تقلصاً في عضلات الشعب الھوائیة.
وقد تضر ھذه البروتینات ببعض خلایا الجلد ، وتسبب ظھور أنواع مختلفة من الطفح الجلدي ، وھناك أیضاً أنواع من الخلایا اللمیفاویة ، منھا الخلیة "ت" التي تنقسم بدورھا إلى عدة أنواع ، وھي تلعب دوراً كبیراً في التحكم والسیطرة على بعض الخلایا الأخرى وتوجیھ التفاعلات المناعیة . وھناك أیضاً "خلیة البطانة الوعائیة" التي تبطن الأوعیة الدمویة ، وھي تعمل أثناء التفاعلات المناعیة على خروج خلایا موجودة بالدم داخل الأوعیة الدمویة (خاصة الخلیة الحمضیة) إلى الأنسجة المحیطة بھا . وھناك أیضاً "الخلایا الظاھرة" المكونة للأغشیة المخاطیة المبطنة للجھاز التنفسي والجھاز الھضمي وغیرھما.
وھناك شبكة من "السایتوكاینز" تؤثر على نشاط الخلایا المناعیة بالزیادة أو النقصان ، فتؤثر بالتالي على كمیة وأنواع المواد الكیمیائیة والإنزیمات والبروتینات ، وأیضاً على السایتوكاینز التي تفرزھا ھذه الخلایا، ولذا فھي تتحكم في الأعراض المختلفة لأمراض الحساسیة.
تعليقات
إرسال تعليق